بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الحاجة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد:

قصيد الزّهد

3- قصيد الزّهد([1])



فُجِـــعَ الفُـــؤَاُدُ بِذِكْرِكُـــمْ فَتنهّـَــدَا   
  وَبَدَا لَهُ مِـنْ فَقْدِكُـــمْ مَــا قَدْ بَــــدَا
فَسَعَيْتُ فِـــي كَـــيِّ القُلُوبِ لَعَلّهَــا 
   تَنْسَى العَلاَئِــقَ مَا تَذَكَّرُ مِنْ حَــدَا
فَأَنَا بِمَاضِـــيَّ التَّعِيسِ أَعِيـــشُ لاَ  
   بِالحِينِ أَحْظَى أَوْ أُمَنِّينِـــي غـَـــدَا
لَمَّا ذَكَرْتُ القَبْــرَ  تُدْنِيـــهِ الوَفَــــا   
  وَزُهُورُ قَلْبِي كَيْفَ يَهْجُرُهَا النَّدَى
وَعَلِمْتُ مِنْ نَفْسِي الشَّقِيَةِ مَا جَنَتْ 
    وَلَقَدْ وَرَدْتُ مِنَ المَهَالِكِ مَــــوْرِدَا
خِفْتُ الحَيَاةَ فَمَــا أَرَانِـــي وَاجِــلاً  
   إِلاَّ مِنَ المَحْيَا فَمَا أَخْشَى الـــرَّدَى
فَلَبِسْتُ ثَـــوْبَ الذُّلِّ قَبْـــلَ مَنِيَّتِــي  
   وَطَرَقْــتُ بَابًـــا لِلزَّهَـــادَةِ مُنْجِــدَا
وَلَزِمْتُ طَوْقَ التَّائِبِينَ فَلَــــــمْ أَرُمْ   
  فَجًّـــا بَعِيــدًا أَوْ طَرِيقَـــا مُوصَــدَا
وَبَكَيْتُ ذَنْبِـــيَ بُكْـــرَةً وَ مُعَشِّيًــــا  
   حَتَّى بَدَا بَصَــرِي كَحِيـــلاً أَرْمَــدَا
وَنَدِمْتُ جُرْمًــا لَـــمْ أُصِبْهُ وَإِنَّمَـــا   
  رَامَتْــهُ نَفْسِـــي وَالفُـــؤَادُ تَـــوَرَّدَا
خِفْتُ الجَلِيــلَ فَـــلاَ أَرَانِـــيَ آمِنًــا  
   مَكْرَ الإلَـهِ وَإِنْ عَلَـــوْتُ الأَسْعَــدَا
وَرَجَوْتُ عَفــْوا وَالنَّجَـــاةَ بِأُخْــرَةٍ  
   أَرْقَـــى مِنَ الجَنَّاتِ فِيهَـــا مَقْعَـــدَا
وَحَبَسْتُ حُبِّي فِـــي الإلَهِ وَحِزْبِــهِ     
وَهَوَاهُ أَضْحَى مِنْ حَيَاتِي مَقْصِــدَا
لاَ أَبْتَغِي عَيْـــشَ الدَّنِيَـــةِ بَعْدَمَــــا   
  هَـمُّ الأَخِيـــرَةِ رَدَّ عَيْشِـــي أَنْكَــدَا
سَلْ عَنِّيَ الدِّيوَانَ يَـــومَ إِجَازَتِــي   
  هَلْ قَدْ لَقَانِي زَاهِيَــا بِـــهِ أَسْعَـــدَا
وَسَلِ الخَلِيلَ وَمَنْ دَعَانِــي شَاكِـرًا  
   لِنَعِيــمِ دُنْيَــاهُ الّتِــي قَــدْ أَرْصَـــدَا
هَلْ زِدْتُ فِيهَا عَنْ لَوَازِمِ شُكْرِهَــا 
    فَلَقَـــدْ رَآنِـــي زَاهِـــدًا وَمُزَهِّــــدَا
وَسَلِ المَطَــاعِمَ وَالمَــلاَبِسَ كـَــرَّةً  
   وَمَرَاكِبَ الخُيَلاَءِ تَحْكِي السُّـــؤْدُدَا
وَمَنَــازِلاَ لِلقَــوْمِ أَضْحَتْ مَفْخَــــرًا   
  هَلْ قَارَفَتْ مِنْ رِبْعِنَا الفَانِي يَــــدَا
وَسَل الغَوَانِي هُــنَّ رَبَّاتُ الهَــوَى 
    هَلْ غَرَّنِـي مِنْهُنَّ سِحْـــرٌ جُــــوِّدَا
فَلَكَمْ تَرَامَيْنَ الغَـــرَامَ بِحَضْرَتِــــي  
   فَرَدَدْتُ عَنْ حَوْضِي كَوَاعِبَ نُهَّـدَا
وَسَلِ الصَّدِيقَ وَقَبْلَهُ سَــلْ عَاذِلِـي   
  فَالحَقُّ مَا شَهِدَتْ بِــهِ كُتُبُ العـِــدَا
هَلْ كَانَ لِي مِنْ حَاجَةٍ فِـي غَيِّهـِـمْ   
  أَمْ أَنَّ خَوْفِي مِـــنْ رَجَائِـــي قَيَّــدَا
رُمْتُ السَّرَابَ مِنَ الحَيَـاةِ فَأَوْغَلَتْ    
نَفْسِـــي بِبَحْـرٍ لِلْهُمُــومِ مُمَهَّــــدَا
وَلَمَــنْ رَآنـــيِ بَعْدَهَـــا فَلَقَــدْ رَأَى   
  صَخْـــرًا عَتِيدًا أَوْ رَآنِـــي جُلْمُــدَا
لاَ غَــمَّ لاَ هَـــمٌّ وَلاَ نَصـــبٌ بَلَـــى   
  زُهْدٌ يُزَكِّي فِي شَرَايِينِي الهُــــدَى
وَغَــدَى بِنَـــا كَالمُلْهِمَـاتِ يَمُدُّنـَـــا    
بِرَقَائِقِ الأَنْفَـــاسِ تِبْـــرًا عَسْجَــدَا
وَالذِّكْـــرُ يَلْزَمُنِـــي بِكُــلِّ وَسِيلَـــةٍ   
  وَبِكُـــلِّ وَقْـــتٍ كَالمُعَلَّــقِ بِالحُـــدَا
وَكَأَنَّ مَــسَّ الجِـــنِّ أَدْرَكَنِي فَـــلاَ  
   أُفْضِي بِغَيْــرِ حَدِيثِ مَوْلًــى عُبِّــدَا
وَشَهَــــادَةُ التَّوْحِيــدِ جُـــلُّ مَقَالَــةٍ 
    سَكَنَـــتْ فُـــؤَادِي تَالِيًــــا مُتَعَهِّـــدَا
أَسْمَاءُ رَبِّي أَصْبَحَتْ لِـــي مِهْنَـــةً 
    أَقْضِي النَّهَـــارَ مُفَكِّـــرًا وَمُعَــــدِّدَا
آيَاتُهُ فِي الكَوْنِ تَشْغَـــلُ خَاطِــرِي  
   وَبِكُلِّ رُكْــنٍ قَدْ بَنَــا لِــي مَرْصَـــدَا
وَأُدَارِسُ القُـــرْآنَ أَحْفَــــظُ مَتْنَـــهُ  
   وَأُحَسّــنُ التَّرْتِيـــلَ لَحْنًـــا مُنْشِــدَا
وَأُحَكِّمُ القُـــرْآنَ فِـــي أَمْـــرِي إِذَا  
   رُمْتُ الفِعَالَ فَذَاكَ أَمْسَى السَّيِـــــدَا
وَأُلاَزِمُ الصَّلَــوَاتِ فِـــي تَوْقِيتِهَـــا   
  أَغْشَى المَسَاجِدَ كَيْ أُصَلِّي شَاهِـدَا
أَمَّـــا إِذَا حُبِسَ الجَـــوَارِحُ مَـــــرَّةً  
   فَتُرَابُ أَرْضِــي كُلُّهُ لِــي مَسْجِــدَا
وَأَقُـــومُ لَيْلِــي لاَ أُعَجِّــلُ نَوْمَتِـــي   
  حَتَّــى يُغَالِبَنِــي النُّعَـــاسُ فَأَرقُـــدَا
وَأُزَكِّـــي مَـالِـــي لاَ أَرُدُّ مُسَـــــوِّلاَ  
  إِلاَّ إِذَا كَـــــانَ المُسَـــوِّلُ وَاجِــــدَا
وَأُكَـاثِرُ الصَّدَقَاتِ أَبْغِـــي مَغْنَمًــــا    
يَــــوْمَ القِيَامَــةِ وَافِيًــــا وَمُسَــدَّدَا
وَأَصُــومُ يَوْمــاً بَعْدَ يَـــوْمٍ هَكَــــذَا  
   صَوْمُ النَّبِيِّ أَبُـــو النَّبِـيِّ المُقْتَــدَى
وَأَحُــجُّ بَيْتَ اللهِ أَقْضِــي مَنْسَكِــي   
  وَأُكَاثِرُ العُمْـــرَاتِ أَلْتَمِسُ الفـِــدَى
وَأُرُدُّ صَوْتًــــا لِلْجِهَــــادِ وَأَفْتَـــدِي  
   وَكَأَنِّيَ المَقْصُودُ وَحْدِي بِالنِّــــــدَا
وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ أَمْسَى شَرْعَتِـي  
   وَتَنَكُّرُ العِصْيَانِ فِعْلِي عُـــــــــوِّدَا
وَفَضَائِلُ الأَخْـــلاَقِ تِلْكَ سَجِيَّتِـــي   
  أَلْقَى بِهَا الأَحْبَابَ بَلْهَى وَالعِــــــدَا
وَأُجَانِبُ الحُرُمَاتِ أَهْجُرُ أَرْضَهَـــا  
   أَصْحَابَهَا مَــنْ كَـــانَ فِيـهِ تَعَمَّـــدَا
شَهِدَ الإِلَـــهُ بِأَنَّنِـــي بِـــهِ عَائِــــذٌ 
    وَنَوَالُ وَصْلِهِ قَدْ غَدَا لِــي مَقْصِــدَا
فَــارْحَمْ أَسِيرَكَ يَــا مُدَبِّرَ تَوْبَتِــي 
    وَارْأَفْ بِعَبْــدٍ قَــدْ أَتَــــاكَ مُقَيَّــــدَا
وَانْثُرْ نَعِيمًــــا لاَ يُــــرَامُ بِبَابِنَــــا  
   طَـــوْرَا فَتُسْلِينَـــا بِلَيْـــلٍ مُفْـــــرَدَا
إِلاّ إِذَا مَا الصُّبْحُ أَهْدَى ضَيْفَكُــــمْ 
    يَوْمًـــا جَمِيـــلاً أَحْمَـــدًا وَمُحَمَّـــدَا
هَذَا أَنَـــا طَيْـــفٌ يُتَرْجِـــمُ تَائِبًـــا  
   رَامَ القَصِيــدَ بِمِعْصَمِـــي فَتَجَــرَّدَا
وَاللهُ يَأْجُرُنِــــي بِقَـــدْرِ مَقَالَتِـــــي   
  لاَ بِالفِعَـــالِ فَلَسْــتُ ذَاكَ الأَوْحَــدَا
وَيَمُدُّنَـــا بِالفَضْـــلِ سَيْـــرًا مِثْلَـــهُ    
فَهُــوَ الكَرِيــمُ وَحَقُّــهُ أَنْ يُحْمَـــدَا







([1]) هذه القصيدة نشرت في "مجلة الإصلاح " العدد :37

المشاركات الشائعة