بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الحاجة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد:

رثاء الأحياء

6- رثاء الأحياء([1])
 

تُغْنِي الدُّمُوعُ وَقَدْ دَاوَمْتُ أُجْرِيهَــا   
  عَنِ الحُرُوفِ إِذَا مَا رُمْــتُ أَرْثِيهَـــا
يَرْثِي الكَلاَمُ خِصَالاً مَاتَ صَاحِبُهَــا   
  فَيَرْفَـــعُ الذِّكْــرَ وَالأَخْـــلاَقَ يُعْلِيهَـــا
ونَعْيُ دَمْعِي حَيَاةٌ لاَ خَـــلاَقَ بِهَـــا   
  أُخْتُ الوَفَاةِ فَـــلاَ بُشْـــرَى لِنَاعِيهَـــا
مِدَادُ عَيْنِـــي أَجَفَّتْ مَـــاءَ مُقْلَتِهَــا  
   فَـــزَادَ قَوْلِــــي وَلِلأَقْـــوَالِ رَاجِيهَـــا
هَذِي القَوَافِي لِوَجْــهِ اللهِ أَفْطُرُهَــا    
بَيْنَ الشِّفَـاهِ وَرَبِّــي اليَـــوْمَ بَارِيهَـــا
نَعْيُ الدِّيَارِ، وَمَـــنْ يَنْعَى لِعَتْرَتِـــهِ   
  غَيْرُ الشَّقِيِّ بِأَرْضٍ خَابَ مَــنْ فِيهَـــا
قَوْمُ الحَنِيفَةِ لاَ أَعْنِي سِوَى وَطَنِي     
أَهْــلُ السَّـــلاَمِ فَـــلاَ أَعْــدُوهُ تَنْبِيهَـــا
دَارُ النَّبِيِّ الّتِي قَدْ كَـــانَ يَعْمُرُهَـــا    
كَـــآخِـرِ اللّبْـــنِ تَشْرِيفًــــا وَتَنْوِيهَـــا
وَبَاعَ مِنْ أَجْلِهَـــا الدّنْيَــا وَأَبْدَلَهَــا   
  بِيــوَمِ الاخْـــرَى وَلَـــمْ يَنْفَكَّ يُعْلِيهَـــا
وَحَارَبَ الكُفْرَ فِي تَحْقِيقِ رِفْعَتِهَــا    
وَمَــــاتَ يَدْعُــــو لِتَـــوْحِيدٍ يُزَكِّيهَــــا
فَهَـدَّ لاَتًـــا وَعُـــزًّا بَعْـــدَ عِزَّتِهَـــا    
وَزَادَ الاخْــرَى وَلَـــمْ يَنْظُرْ لِبَانِيهَـــــا
وَغَمَّ نَارًا لَهَا أَلْفٌ فَمَا اسْتَعَــــرَتْ    
بِأَرْضِ كِسْــرَى وَقَدْ سَــامَتْهُ تَأْلِيهَـــا
وَأُنْكِسَتْ صُلُبُ التَّثْلِيثِ وَانْطَمَسَتْ     
رَقْمُ الكَنَـــائِسِ وَانْقَـــادَتْ لِمَاحِيهَــــا
وَجُرَّتِ التُّرْكُ لِلإسْــلاَمِ مُكْـرَهَــــةً    
وَشَطَّتِ الصِّينُ خَوْفًا فِـــي مَبَانِيهَــــا
وَدَانَتِ الهِنْـدُ بَعْــدَ السِّنْـدِ مُسْلِمَـةً  
   لِدَوْلَةِ الحَـــقِّ بَعْــدَ الجَهْـــلِ تَنْوِيهَـــا
وَقَامَ فِي البَرْبَرِ الإسْلاَمُ يَجْمَعُهُــمْ     
إِثْـــرَ الفِـــرَاقِ وَخُلْفٍ كَـــادَ يُفْنِيهَــــا
هَذَا الكَمَـــالُ وَرَبِّـــى مَالَـــهُ أَمَـــدٌ 
    إِلاّ انْتِقَـــاصُـــهُ مِمَّـــنْ زَادَ تَسْفِيهَـــا
بَعْدَ الدَّلاَلِ وَعِـــزٍّ مَـــا لَـــهُ شَبَــهٌ  
   دَارَ الزَّمـــاَنُ بِـذُلٍّ كَـــفَّ مَاضِيهَــــــا
كَمْ ذَا أُبِينَ لَنَا فِي النَّاسِ مِنْ خَلَـلٍ   
  حَتَّــى تَنَكَّــرَ بَطْنُ الأَرْضِ عَالِيهَــــــا
رَأَتْ عُيُونِيَ مَا حَـارَتْ بِـــــهِ أُذُنٌ     
وَكَـــانَتِ الأُذْنُ أَوْلَـــى أَنْ تُـوَافِيهَــــا
إِنْسٌ تَسُــبُّ مَلِيكًــا دُونَ سَطْوَتِــهِ   
  سُبْحَانَ سَامِعِهَــا إِذْ ظَــلَّ يُرْجِيهَـــــا
تَرْمِي العَظِيمَ بِجُـــرْمٍ لَـــوْ تَفَقَّهُــهُ  
   نَفْسُ الشَّقِــيِّ لَغُصَّتْ مِــنْ تَرَاقِيهَـــا
وَتِلْكَ تَغْدُو لَــدَى الأَمْـوَاتِ سَائِلَــةً   
  تَرْجُوا النَّجَاةَ فَمَــا المقبور يُنْجِيهَـــا
لَوْ كَانَ يُحْسِنُ أَنْ يَنْــدَى بِمَكْرُمَــةٍ  
   لَكَـانَتِ النَّفْسُ أَوْلَـــى مَـــنْ يُنَدِّيهَـــا
وَتِلْــكَ تُنْكِـــرُ لِلرَّحْمَـــانِ خِلْقَتَهَـــا   
  وَتَزْعُـــمُ العِلْمَ وَالجُهَّـــالُ تُصغْيِهَـــا
وَأَلَّهُوا الطَّبْعَ وَالمَخْلُوقَ إِذْ زَعَمُوا  
   أَنَّ الطَّبِيعَــــةَ أَبْقَـــتْ مَـــا يُوَاتِيهَـــا
فَأَنْكَرُوا الحُكْــمَ لِلقُـــرْآنِ إِذْ فُتِنُــوا   
  بِشِرْعَةِ الـــرُّومِ وَاليُونَـــانُ ثَانِيهَــــا
وَغَايَةُ القَوْمِ دُنْيًــا لاَ قَـــرَارَ لَهَــــا   
  تقْرِي اللَّئِيمَ وَتجْفِي َمـــنْ يُصَافِيهَـــا
فَكَمْ أُفِيضَ لَهَا مِـــنْ حَقِّ بَارِئِهَــــا    
فَقَدْ أَجَـــابَ بِــرَدِّ الشَّـــرِ مُطْرِيهَـــــا
فَأَيْـنَ أَنْدَلُـسُ الإِيمَـــانِ إِذْ نُزِعَـــتْ  
   مِنْهَـا العُرُوبَـــةُ وَالإِسْـــلاَمُ تَالِيهَــــا
وَأَيْنَ مَا كَانَ عند الهِنْدِ مِـــنْ مَلِــكٍ   
  قَــــادَ البِــــلادَ بٍحُكْــــمِ اللهِ يَهْدِيهَـــا
فَتِيكَ كَشْمِيرُ مِنْ ذِي الدَّارِ أَقْوَمُهَــا   
  قَدْ أَمَّهَــا العِلْجُ لِلإِشْــرَاكِ يَسْرِيهَـــا
وَأَيْــنَ دائـــرةُ الأَتْـــرَاكِ إذْ بَلَغَــــتْ    
أَسْوَارَ رُومَا وَجَالَتْ فِي ضَوَاحِيهَــا
وَأَيْنَ مَا بَاتَ عِنْدَ الزِّنْجِ مُنْقَرِضًــــا  
   مِنْ سَطْوَةِ العُرْبِ وَالإِيمَانُ دَاعِيهَــا
بِلاَدُ فَارِسَ عَـــادَ الكُفْــرُ يَجْمَعُهَـــا    
حُكْمُ الرَّوَافِضِ بَـاتَ اليَـوْمَ يَجْبِيهَـــا
لَــمْ يَبْقَ لِلحَقِّ إِلاَّ فَضْلَـــةٌ قُسِمَـــتْ  
  بَيْنَ المُلُوكِ وَحُمْرُ الأَهْــلِ تَطْوِيهَـــا
إِنَّا لَفِي غَفْلَـةِ الأَمْــوَاتِ إِذْ بَزَغَـــتْ  
   نَـــارٌ تَلَظَّـــى بِسِحْـــرٍ زَادَنَا تِيهَـــــا
قَالُوا الرَّبِيعُ أَتَاكُمْ نَجْــــــــدَةً وَرَأَتْ  
   عَيْنِي الخَرِيفَ وَقَدْ جَـــلاَّهُ جَالِيهَــــا
سَعَى الرِّعَاءُ كَعِيرٍ نَحْوَ مَصْرَعِهـم   
  وَحَارَتِ البُكْمُ مَـــنْ يَغْدُوا فَيَسْقِيهَـــا
وَاسْتَبْشَرَ العِلْجُ فَأْلاً حِينَ أَبْصَرَهَــا   
  تَسْعَـــى لِمَـــا خَطَّ لاَ تَعْدُوهُ أَيْدِيهَـــا
تُهَـــدُّ أَوْطَانَهَـــا جَهْــــلاً وَتَعْمِيَــــةً    
وَتُشْهَرُ السَّيْفَ سُفْهًا صَوْبَ وَالِيهَـا
تنْقَـــادُ بِالكُفْــرِ وَالإِلْحَـــادِ مُلْتَبِسًــا  
   ثَوْبَ الحَدَاثَةِ وَالإنْصَـــافِ تَمْوِيهَــــا
مَا ساَءَهُمْ مَنْظَرُ الأَشْلاَءِ إِذْ نُثِـرَتْ  
   كَلاَّ وَلاَ سَرَّهُمْ مَــنْ كَـــانَ يُنْجِيهَـــــا
كَلاّ وَلاَ فُتِحَتْ عَيْــنٌ لَهُــمْ فَــــرَأَتْ  
   أَطْلاَلَ قَلْعَتِهِمْ جَـــادَتْ بِمَـــنْ فِيهَــــا
أَوْ دَمْــعَ طِفْـــلٍ وَلاَ أُمًّـــا بِجَانِبِـــهِ    
تَحْنُـــو بِرَأْسِـــهِ أَوْ تُسْلِيـــهِ آسِيهَــا
أَوْ مَسْجِدَ الحَيِّ لاَ عُبَّـــادَ تَطْـــرُقُهُ   
  أَجْرَى عَلَيْهِ رِيَاحَ الحَرْبِ مُجْرِيهَــــا
تِلْكَ المَدَارِسُ لَمْ تَشْفَـعْ لَهَــا أُمَـــمٌ   
  أَمَّــتْ بِأَمْـــسَ فِنَاهَـــا يَـــوْمَ آتِيهَـــا
وَهَذِهِ الدُّورُ لَمْ تَأْمَـنْ بِمَــنْ حَفِظَتْ   
  يَـــوْمَ الكَرِيهَـــةِ فَانْدَكَّــتْ بِغَاشِيهَـــا
فَلَيْتَ شِعْرِيَ هَلْ أَبْكِي عَلَى بَلَــدِي   
  أَمْ للذُّنُــــوبِ وَلِلأوْطَــــانِ رَاعِيهَــــا


 




([1]) هذه القصيدة نشرت في "مجلة الإصلاح " العدد :40

المشاركات الشائعة