بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الحاجة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد:

على مهاج أبي العتاهية

29- على مهاج أبي العتاهية([1])

أَذَلَّ الحِــرْصُ والطَّمَــعُ الرِّقَابَـــا   
  وقَــدْ يَعْفُــو الكَرِيـــمُ إِذَا اِسْتَرَابَـــا
إِذَا مَـــا الرَيْـــبُ لِلأَرْزَاقِ شَابـَــا  
   فَــذُو الإِفْضَــــالِ أَوْلاَهُ اِجْتِنَـابَـــــا
إِذَا اتَّضَحَ الصَّــوَابُ فَــلاَ تَدَعْـــهُ   
  ومِــــنْ أَجْــــلِ الدَّنِيَــــةِ لاَ تَبِعْـــهُ
ومِـــنْ بَيْنِ الطّـــلاَسِمِ فَانْتَزِعْـــهُ  
   فَـــإِنَّـكَ كُلَّمَـــا ذُقْــــتَ الصَّوَابَـــــا
وَجَدْتَ لَهُ عَلَــى اللَّهَوَاتِ بَـــــرْدَا  
   يَشُــــدُّ النَّفْــسَ لِلمَعْــرُوفِ شَـــدَّا
وَزَادَ بِأَهْلِـــــهِ هِمَمًـــــا وَجِــــــدَّا  
   كَبَرْدِ المَـــاءِ حِينِ صَفَـــا وطَابَـــا
ولَيْــسَ بِحَــــاكِمٍ مَــــنْ لاَ يُبَالـِـي 
   لِوَقْـــعِ حَمَـــائِلِ السَّيْــفِ الطِّــوَالِ
ولَيْـــسَ بِمُـدْرِكٍ كَــيْ لاَ أُغـَــالِي   
  أَأَخْطَأَ فِـــي الحُكُومَــةِ أَمْ أَصَابَــــا
وإِنَّ لِكُــــلِّ تَلْخِيــــصٍ لَوَجْهًـــــا  
   حَبَــاهُ النَّـــاسُ أَمْ أَوْلَـــوْهُ كُرْهًــــا
فَرَدُّوا الحَـــقَّ بِالإِنْكَـــارِ سُفْهًــــا   
  وإِنَّ لِكُـــــلِّ مَسْأَلَــــــةٍ جَوَابـَــــــا
وإِنَّ لِكُـــــلِّ حَادِثَـــــةٍ لَوَقْتَــــــــا   
  تَحَــرَّاهُ الاَرِيـــبُ فَنَـــال سَمْتَــــــا
وأَهْمَلــــهُ البَلِيـــدُ فَزِيـــدَ مَقْتَــــا  
   وَإِنَّ لِكُــــلِّ ذِي عَمَــــلٍ حِسَابـَــــا
وإِنَّ لِكُــــــلِّ مُطّلِـــــعٍ لَحـَــــــــدَّا   
  وعِلْـــــمُ اللهِ لاَ تُحْصِيـــــهِ مَـــــدَّا
أَحَــاطَ الكُلُّ فِـــي الأَلْوَاحِ عـَــــدَّا    
وإِنَّ لِكُـــــلِّ مَخْلُـــــوقٍ كِتَابَــــــــا
وكُــــلُّ سَلاَمَــــةٍ تُعِـــدُ المَنَايَــــا     
وطُـــولُ العُمْـــرِ تَعْقِبُـــهُ البَلاَيـَـــا
وزَهْــوُ العَيْـشِ يُنْسِيـكَ الرَّزَايـَــا  
   وكُــــلُّ عِمَـــارَةٍ تُعِــدُ الخَرَابَــــــا
وكُــــلُّ مُمَــلَّكٍ سَيَصِيـــرُ يَوْمًــــا   
  لَـــهُ المَمْلُـوكُ غَمَّــــاتٍ وَهَمًّــــــا
ويَخْضَعُ لِلْقَضَاءِ فَعَــــادَ رَسْمًــــا    
ومَــا مَلكَــتْ يَــدَاهُ مَعًــــا تبَابَـــــا
أَبَتْ طَرَفَـــاتُ كُلَّ قَرِيـــرِ عَيْــــنٍ    
بُعَيــدَ العِـــزِّ خُفًّـــا مِـــنْ حَنيِـــــنٍ
فَمَـــا تَلْقَـــاهُ يَضْـــرِبُ بِاليَدَيْــــنِ  
   بِهَــــا إِلاَّ اِضْطِرَابًـــــا واِنْقِـــــلاَبَا
كَـــأَنَّ مَحَــاسِنَ الدُّنْيَـــا سَـــرَابٌ   
  ومَـــــاءٌ لاَ يُطَهِّرُهَـــــا تُــــــــرَابٌ
وأَيْـــــدٍ لاَ يُوَافِيهَـــــا صَــــــوَابٌ   
  وَأَيُّ يَــــــدٍ تَنَـــــاوَلَتِ السَّرَابَــــــا
وإِنْ تَـــكُ مُنْيَــةٌ عَجِلَــتْ بِشَــيْءٍ   
  وعَــــادَ مُرِيدُهَـــا فَرَحَـــا بِفَـــيْءٍ
ولاَقَــتْ أَهْلَهَـــا بِيَسِيـــرِ ضَـــوْءٍ   
  تُسَــــرُّ بِـــهِ فَـــإنَّ لَهَــــا ذَهَـابَـــا
فَيَـــا عَجَبًـــا تَمُــوتُ وأَنْتَ تَبْنـي    
وتَرْجُـو فِي الحَيَاةِ غَدًا تَمَنِّـــــــي
كَأَنَــّكَ بِالوَفَــــاةِ ولَيْــــسَ تُفْنِـــي  
   فتَتَّخِـــذُ المَصَـــــانِعَ والقِبَـابَــــــا
أَرَاكَ وكُلَّمَـــــا أَغْلَقْــــتَ بَابًـــــــا   
  مِنَ الأَبْــوَابِ قَدْ أَضْحَــى مُعَابَــــا
وسِـــرْتَ هُنَيْهَةً تَرْجُــو اجْتِنَابَـــا  
   لذي الدُّنْيَا فَتَحَتْ عَلَيْكَ بَابَــــــــــا
أَلَمْ تَـــرَ أَنَّ كُـــلَّ صَبَـــاحِ يَـــــوْمٍ  
  أَظَلَّكَ مِـــنْ حَيَـــاتِكَ إِثْـــرَ نَـــــوْمٍ
وخِلْتَـــهُ مُكْسِبًـــا بِقَلِيـــلِ فَهْــــــمٍ  
   يَزِيـــدُكَ مِـــنْ مَنيَتِـــكَ اِقْتِرَابَـــــا
وحُـــــقَّ لِمُوقِـــــنٍ بِالمَـــــوْتِ أَلاَّ   
  يَزِيـــــدَ بِمَطْمَـــــعِ اللَّــــــذَاتِ ذُلاَّ
وكَيْـــفَ بِعَقْلِـــهِ لَــــوْ كَــــــانَ دَلَّ  
   يُسَوِّغُــــهُ الطَّعَـــامُ ولاَ الشَّرَابَـــا
يُدَبِّـــرُ مَـــا نَـــرَى مَلْكٌ عَزِيـــــــزُ  
   لِكُــــلِّ مَنَــــازِلِ الدُّنْيَــــا يَمِيــــــزُ
فَيَحْكُـــــمُ بالتَّأَخُـــــرِ أَوْ يُجِيـــــــزُ 
    بِــــهِ شَهِـــدَتْ هَوَادِثُـــهُ وغَــابَــا
أَلَيْــــسَ اللهُ مِــــنْ كُـــــلٍّ قَرِيبـَـــا   
  وَيَنْظُـــرُ فِـــي مَشَاغِلِنَــا حَسِيبَـــا
ولَيْــــسَ بِسَامِـــعٍ فِينَــــا مُجِيبَـــا   
  بَلَى مِــنْ حَيْثُ مَـــا نُودِي أَجَابَـــا
ولَــــمْ تَــــرَ سَــــائِلاً للهِ أَكْــــــدَى   
  ولَوْ رَكِبَ المَعَاصِي أو تَعَــــــــدَّى
وتَــــرْكُ دُعَائِــــهِ بِالنَّـــاسِ أَرْدَى   
  وَلــــمْ تَــــرَ رَاجِيًــــا للهِ خَابـَــــــا
أَرَيْتُ الـــرُّوحَ جَدْبَ العَيْشِ لَمَّــــا  
   سَمِعْـــتَ الحَـــقَّ قَــدْ أَوْلاهُ ذَمَّــــا
ويَـــوْمَ أَصَابَنِــي النَّكَبَـــاتُ ثَــــــمَّ  
   عَرَفْتُ العَيْشَ مَخْضًا واجْتِلاَبَـــــا
ولَسْــتَ بِغَـــالِبِ الشَّهَوَاتِ حَتَّــى     
تُفَضِّلَ مِـــنْ مَتَاعِكَ مَـــا تَرَكْـــتَ
وإِنْ بِمَصَــــائِبِ الدُّنْيَــــا أُصِبْــــتَ  
   فَعُــدَّ لَهُـــنَّ صَبْـــرًا واحْتِسَابَـــــا
فَكُــلُّ مُصِيبَـــةٍ عَظُمَـــتْ وجَلَّــــتْ   
  بِقَلْـبِ المُؤْمِــنِ الرَّاجِـــي تَجَلَّــتْ
وكُـــلُّ عَظِيمَـــةٍ بِالنَّفْـــسِ حَلَّــــتْ    
تَخِفُّ إِذَا رَجَـــوْتَ لَهَـــا ثَوَابَـــــا
كَبِرْنَـــا أَيُّهَـــا الأَتـــرَابُ حَتَّـــــــى  
   نَعَــانَـا الشَّيْــبُ أَحْيَــاءً ومَوْتـَــى
فَصِرْنَـــا لِلرَّحِيـــلِ نَعُـــدُّ وَقْتَـــــــا 
    كَأَنَّـــا لَـــمْ نَكُــنْ يَومًــــا شَبَابَــــا
وكُنَّـــــا كَالغُصُـــــونِ إِذَا تَثَنَّــــــتْ   
  لِفَرْطِ اللِّينِ لَمْ تَلْبَثْ تَوَلَّــــــــــــتْ
وكُنَّــــا كالزُّهُـــورِ وقَـــدْ أَمَـــــدَّتْ   
  مِـــنَ الرَّيْحَـــانِ مونِقَـــةً رِطَابَـــا
إِلَــى كَمْ طُـــولُ صَبْوَتِنَـــا بِـــــدَارٍ 
    ولَيْــــسَ مُقَامُنَــــا فِيهَــــا بِجَـــارٍ
وكَـــمْ نَصْلَـــى لِصُحْبَتِهَـــا بِنَــــارٍ   
  رَأيْتُ لَهَـــا اِغْتِصَابَـــا واسْتِلابَــا
أَلاَ مَـــــا لِلكُهُــــولِ ولِلتَّصَابـِـــــي   
  أَبَعْــدَ العَقْـــلِ نَرْضَـــى بِالتَّغَابِــي
وبَعْــدَ ثَنِيَّتِـــي أَرْجُــو انْتِصَابِــــي  
   إِذَا مَـــا اغْتَـــرَّ مُكْتَهِـلٌ تَصَابَـــى
فَزِعْتَ إِلىَ خِضَابِ الشَّيْبِ مِنْـــــهُ   
  ولَـــمْ تَــدْرِ الزَّمَـــانَ يَبِينُ عَنْـــهُ
فَلَمَّـــــا أَمِنْتَــــهُ عَـــــرَّاكَ مِنْــــــهُ   
  وإِنَّ نُصُولَهُ فَضَــــحَ الخِضَابَــــا
مَضَى عَنِّي الشَّبَـابُ بِغَيْـــــرِـ وِدِّي   
  ومَالِي مِنْ ذَهَــابِهِ غَيْـــرَ جِــدِّي
فَقَدْ شَهِــدَتْ عُيوُنُــــهُ قَـدْرَ كَــــدِّي 
    وعِنْـــدَ اللهِ أَحْتَسِــــبُ الشَّبَابَــــا
ومَـــا مِــــنْ غَايَــــةٍ إِلاَّ الَمنَايَـــــا   
  خَرِيفُ العُمْرِ تَصْحَبُهُ الرَّزَايَــــــا
وطُـــولُ السِـــنِّ عُقْبَـــاهُ البَلاَيَــــا    
لِمَــــنْ خَلِقَــتْ شَبِيبَتُـــهُ وشَابَـــا
ومَا مِنْكَ الشَبَاَبُ ولَسْتَ مِنْـــــــــهُ    
فَــدَعْ عَنْـكَ التَّصَـابِــيَ واجْتَنِبْــهُ
وبَــــادِرْ فِـــي بَقَـــائِكَ واغْتَنِمْــــهُ    
إِذَا سَأَلَتْـــكَ لِحْيَتُـــكَ الخِضَابَـــــا








([1]) هذه الأبيات تربيع لقصيدة أبي العتاهية الشهيرة " أذلّ الحرص والطّمع الرّقاب "

المشاركات الشائعة